عبدالباري طاهر
بعد حرب ثماني سنوات في اليمن.. ماذا ننتظر؟
الساعة 11:12 مساءاً
عبدالباري طاهر

ثماني سنوات من حرب مدمّرة قتلت مئات الآلاف، وشرّدت الملايين داخل وطنهم، وجوّعت أكثر من 82 %، وانتشرت الأوبئة الفتاكة، لتتنافس مع الحرب في التمويت.
 السائح الإيطالي سلفادور أبونتي زار اليمن في عشرينات القرن الماضي، سمّى المتوكلية اليمنية "مملكة الموتى".
 تتحول اليمن بعد قرن، ولكن هذه المرّة، تتحول كل اليمن إلى "مملكة القتلى".

تشهد الحرب تهدئة بعد أكثر من هدنة حققت وقفا غير شامل للحرب، في حين تبقى كل أسباب الحرب موجودة، والحصار شبه الكلي الداخلي والخارجي مازال مفروضا، ويخنق اليمنيين.

الأعمال متعثّرة، والمرتّبات مقطوعة، والمعتقلون السياسيون، والمختفون قسراً في غيابات الجب، والأسرى، وعدد منهم إما مختطفون، أو معتقلون، ينتظرون التبادل.

المقاتلون الأشاوس واقفون على تلال الكوارث، التي صنعوها، وعلى جثث الضحايا، وهم ينتظرون إما العودة إلى الاحتراب للمزيد من الإثراء، والتسيّد، والبطش، وإما الظفر بالغنائم والأسلاب، وليست الغنائم والأسلاب غير جثة وطن مدمّر الكيان، ومفكك الأوصال، وممزّق النسيج، وشعب مسلوب الإرادة، وكنتونات هزيلة.

شهدت اليمن ثلاث هُدن، منذ إبريل 2022، ورغم الفرح بها، إلا أنها كانت تقف عند تخوم وقف إطلاق النار المدخول باختراقات متكررة.
 المأساة أن هذه الهُدن لم تكن من صنيع المتحاربين اليمنيين؛ فالتوافق الإقليمي، والضغط الدولي هو الأساس.

التهدئة القائمة، منذ الهدنة الثالثة، هي الأخرى ثمرة توافق إقليمي، وضغط دولي، وأيضاً عجز كل أطراف الاقتتال الأهلي عن حسم الصراع، وتزايد الرفض الشعبي للحرب، وتصاعد الإدانات في غير مستوى - كل ذلك أدى إلى التهدئة.

أدى طول أمد الحرب إلى تسيّد الصراع الإقليمي، الذي حول اليمنيين إلى "متقاتلين شقاة" في حرب مأجورة، واليمن - كل اليمن - إلى ميدان قتال حرب بالوكالة.
إذن، ماذا ننتظر؟ ماذا ينتظر جنرالات الحرب والزعماء الموزّعون على خارطة الحرب؟

الثلاثون مليون يمني هم ضحايا الحرب، وحطبها. كل قادة المليشيات، وزعماء الأحزاب، وكبار المسؤولين هنا وهناك - هم المستفيدون من الحرب، والشعب الضحيّة ينتظر نهاية للحرب بكل مآسيها وجرائمها، وينتظرون الخلاص من الطغاة - صِناع الحروب الذين راكموا ثروات هائلة من جثث الضحايا، ودماء الشعب، وهم يرون استمرار الحرب؛ لأن الحرب بالنسبة لهم مورد يُدر ملايين الدولارات، ويمكّنهم من التسيّد على المناطق التي يحكمون قبضتهم عليها، وهم بدون الحرب لا يستطيعون الهيمنة عليها.

لا أسوأ من الموت إلا انتظاره، ولا أقسى من انتظار الحرب إلا الوقوع فيها. اليمن لم تخرج من الحرب؛ فعودتها تهديد مستمر، وسيف مصلت على رقاب كل اليمنيين. والمأساة أن إشعالها أو إخمادها لم يعد بأيدي زبانيتها اليمنيين؛ فقد أصبح قرار الحرب والسلم بأيدي المموّلين الإقليميين، وأصبح الصراع في اليمن رهن الصراع الإقليمي المرتبط هو الآخر بالصراع الدولي.

من نافلة القول إن الصراع الإقليمي بين مختلف الأطراف في جوهره ضداً على الإرادة والمصالح اليمنية، وهو لا يتقاطع أو يلتقي معها؛ فإيران لها مصالحها في المنطقة كلها، ودورها في العراق، وسوريا، ولبنان أساسي، وعلائق وارتباط هذا الصراع القائم له امتدادات تاريخية طائفية وسياسية قوي؛ فالتشيّع في إيران مصدره جيل عامل في لبنان، والدولة الصفوية جذورها في لبنان، والعراق قوي أيضا، وكان تدمير العراق، وتمزيق وحدته هدفل مشتركا بين الأمريكان، وإيران، والحلف الثلاثيني المموّل خليجيا، ثم إن الصراع في اليمن موظف بالأساس لصالح الصراع في الخليج، ولتعزيز النفوذ والوجود في العراق، وسوريا، ولبنان؛ ولفك الحصار عن إيران، وتحسين شروط التفاوض من حول النووي الإيراني؛ فاليمن في الهامش، وليست في المتن، وهي ضحية لصراعات في أماكن أخرى أيضا، أما بالنسبة للسعودية، فصراع الكيانين: اليمني والسعودي حاضر منذ التكوين، وتحديدا منذ الحرب الكونية الأولى، وإن كانت الدعوة الوهابية تعود إلى الدولة السعودية الأولى 1745، وقد امتدت إلى مناطق عديدة من اليمن، والعراق، وشرق الأردن، وعمّت الجزيرة، وللسعودية حضور في حروب 1934، 1962، وأخيرا  2014.

الزعيم التونسي في الحزب الحر الدستوري، عبد العزيز الثعالبي، زار اليمن عام 1924، والتقى في عدن بدعاة الإحياء، والنهضة العربية، وبعض السلاطين، والتقى الإمام يحيى، وتبنّى مشروع الوحدة اليمنية، وقدّم برنامجا طموحا. أشار الزعيم التونسي، كما يدوّن في رحلته، طموح عبد العزيز آل سعود إلى حكم الجزيرة العربية، واليمن بخاصة؛ فالمطامع والصراع قائم، منذ منتصف القرن الثامن عشر- بداية الدعوة الوهابية، ولكنه منذ الثورة اليمنية سبتمبر 1962، وأكتوبر 1963، والوحدة في مايو 1990، وثورة الربيع العربي 11 فبراير 2011- أخذ الصراع أبعادا أكثر دموية، وأشد خطورة.

التحالف العربي، الذي قادته السعودية "لإعادة الشرعية"، مرتهن ومرتبط منذ البداية بالرباعية الدولية، وتحديدا أمريكا، وبريطانيا، والحرب بمقدار ما هي تدمير لليمن ولكيانها الوطني، بمقدار ما تؤدي إلى المزيد من نهب ثروات العربية السعودية، والإمارات، وتقوّي سيطرة أمريكا وبريطانيا، وتعمل على حرف الصراع من عربي - إسرائيلي، إلى عربي - فارسي؛ لفرض التطبيع.
فتشابك الصراع الأهلي بالإقليمي والدولي يرهن مصير اليمن لصراعات لا قِبل له بها، ولا تمثل اليمن أولوية لأطراف هذا الصراع؛ فهل علينا أن ننتظر حتى تقف الحرب في أوكرانيا، أو يصل التفاوض حول النووي الإيراني إلى طريق؟

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص