علي البخيتي
سهيلة البناء وقمامة العالم
الساعة 08:32 صباحاً
علي البخيتي

لنعكس القصة، لو ظهر شاب يمني مع فتاتين أوروبيتين، وتراقصا معًا وفعلوا كل ما فعلته سهيلة مع الشابين ذوي البشرة السوداء، كيف سيعلق اليمنيون وبالذات الذكور منهم؟ على الأغلب كانوا سيمتدحوا فتحه المبين لأوروبا وبنات بني الأصفر، وسيتمنون لو كانوا مكانه ليستعيدوا زمان الوصل بالأندلسِ، ولن يستحضروا الشرف والعفة، فالذكر عندهم بلا شرف "حامل عيبه"، وله الحق في الدخول في علاقات كثيرة، فذلك يشبع ذكوريتهم وحرمانهم، وسيتحول في مخيلتهم لبطل شعبي ينتقم لضعفهم وعجزمهم عن اللحاق بالعصر  فينتصروا بقضيبه على العالم، وسيتخيلون أن بينه وبين الفتاتين علاقة جنسية كاملة، وسيحلمون ليلًا بباقي ما لم يروه في الصور والفيديوهات بين ذلك الشاب اليمني المفترض والشقراوتين، مع أن علاقتهم على الأغلب لم تتجاوز ما ظهر منها في الصور والفيديوهات المنشورة وبالذات عندما تكون فتاتين معًا، ففي أوروبا والعالم الحديث نمط العلاقات السائد هي بين رجل وفتاة، ومن النادر أن تجد من يعيشون علاقات تعددية وعلنًا (كالزواج بأربع).

تكمن المشكلة في شعبنا العظيم أن أحلام كثير منهم -وبالأخص من يعيش جزء من حياته في الريف- تبدأ مع دابة "أنثى الحمار"، وتتطور مع تعلق خياله بممثله او مغنية ما ثم بمشاهدة صور وافلام السكس والمداومة على العادة السرية، اضافة الى ما يحدث بين كثير من الشباب من علاقات مثلية في شبابهم، مع أن غالبهم لا يوجد لديه توجه جنسي مثلي، لكن الفصل بين الجنسين وتجريم العلاقات الرضائية يدفعهم لاشباع غرائزهم مع بعض، وبدلًا من قصصهم مع بنات تكون قصصهم مع دابة أو فتى أحلام الحارة أو القرية، ومع أنهم يعشقونه لكنهم يسمونه "مخنوث"، وهم طبعًا شرفاء لأنهم ضمن خانة "الفاعل" لا "المفعول" به، مع أن أي علاقة جنسية هي علاقة تشاركية وأي وصف على طرف يفترض بالعقل أن ينصرف على الطرف الآخر.

شعب نحلت الحروب وسوء التغذية والقات جسده ووعيه حتى أنك تعرف اليمني من على مسافة ١٠٠ متر إن لم يكن أكثر، من ضآلة جسده وشحوب وجهه ومن تهدل احدى وجنتيه -التي يخزن فيها القات- ومن نحالة صوته، وصفات كثيرة أخرى حفرها الزمن الأغبر في جسد الذكر اليمني ما جعله يشعر بالنقص تجاه الآخر الأطول والأجمل والأبجل صوتًا والأكثر ذكورة منه، فيلجأ في مقاومة حاله المرير لآليات الدفاع عن النفس فيمتدح واقعه المأساوي المتخلف، فيصنع له خيالًا يفوز فيه على العالم الذي يشعر بالتضائل أمامه، فيمتدح نفسه، نحن أشرف ونساءنا أعف وملابسنا أكثر حشمة، وخيالات مرضية أخرى لا علاقة لها بالواقع، بل تكذبها مرآة منزله لو رأى صورته وقامته وقارن نفسه بأي شاب أوروبي أو آسيوي أو افريقي في دولة مستقرة لشعر كم هو صغير في كل شيء بما فيها العقل وحتى طول القضيب، ويكذبها واقع مدنه وعلى رأسها عاصمته صنعاء التي عندما تبث قناة اجنبية تقريرًا أو فلمًا وثائقيًا عارضة الأسواق ومنها أسواق القات وحال اليمنيين فيها، تجد كمية من المخازي تجعلك تخجل من يمنيتك، شوارع تملؤها الحفر والقمامة وأسواق قذرة وأجساد ضعيفة غير متوازنة -رِجل أطول من رِجل ويد أقصر من يد وكتف أعلى من كتف وحواجب غير متوازنة في الارتفاع ولا في الحجم وكثافة الشعر- وملابس رثة بألوان غريبة وأصوات تشعرك وكأنك في حديقة حيوانات لا في سوق تجاري في عاصمة بلد في عام ٢٠٢٢.

شعب الشرف والنخوة و أنا اليماني لا يدرك أن عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من نساءه يمتهن الدعارة -المباشرة في الفنادق والملاهي الليلية أو عبر العلاقات الخاصة وشتى أنواع الزواج الذي يُغلف به بيع الجسد- في الداخل وفي كثير من عواصم الخليج ومصر والعالم، بعد أن تقطعت بهن وبأسرهن سبل العيش الكريم، ولأن كثير منهن تم منعهن من مواصلة التعليم وتزويجهن مبكرًا وتم تربيتهن ليكن مجرد تابعات للذكور، لم يجدن فرصة في سوق العمل العالمي عدى القلة منهن، من شجعتها أسرتها لتتعلم وتكون شخصية قوية واثقة من نفسها بعيدًا عن حاجتها لذكر يعولها ويقودها. 

لنعد للقصة، شعب الدواب وعشاق "مخنوث الحارة" حسب وصفهم فتحوا أفواههم القذرة ومخيلاتهم العفنة على شابة يمنية نبيلة اسمها سهيلة البناء، تملك معرفة وعلم وتحمل شهادات أكاديمية تفوق عشرة من افضل شباب اليمن، تقدم محتوى راقي على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، تغير به الصورة النمطية السيئة عن اليمن واليمنيين، تقدم ذلك المحتوى بثقافة عالمية لا يفهمها المعاقون الذين يعيشون في الداخل أو الذين حملوا اعاقتهـم معهم للخارج.

سهيلة بنت الأرض وليست بنت اليمن المنكوب، سهيلة بنت الحياة العصرية لا بنت الثقافة الذكورية المتخلفة، سهيلة بنت الانسانية التي ساوت بين الرجال والنساء تحت مفهوم المواطنة المتساوية الذي تجاوز كذلك العنصرية تجاه ذوي البشرة السمراء والسوداء، والذي عبرها وصل باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فيما أنت تقول عنه "خادم" وأنت لا شيء أمامه ولا أمام الكثير من الشباب ذوي الأصول الافريقية -ومنهم الشابين الرائعين النبيلين محل الحديث في قصة سهيلة- والذين باتوا يشكلون جزء مهم من نخبة العالم في مختلف المجالات فيما أنت قابع في مجلس قات كنكرة لا يعرف عنك أحد شيء ولا تُذكر إلا عندما تسيء لنجمة كبنت البناء بألفاظ بذيئة، سهيلة أشرف من كثير ممن أساؤوا لها وتخيلوا أفلام بورنو لها مع كل من تلتقي بهم من أصدقائها، سهيلة أشرف منكم جميعًا يا حثالة العالم ووسخ البشرية، يامن يكتب كثير منكم عن هذه الانسانة النبيلة وهو لا يعرف كيف تصرف كثير من نساء اسرته وقبيلته وحارته على بيوتهن وأطفالهن، وكيف اضطررن لبيع اجسادهن بسبب الثقافة الذكورية العفنة التي حرمتهن من بناء وعي وعلم ومهارات تنافسية في سوق العمل.

استمري يا سهيلة ولا تلتفتي لقمامة العالم.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص